إنسانية الذكاء الاصطناعي
مع التطور اللافت الذي تشهده تقنية الذكاء الاصطناعي واندماجها ودخولها يوما بعد يوم في كل تفاصيل حياتنا اليومية، نال القطاع التعليمي حصته من هذه التقنية التي أثبتت قدرتها على جعل العملية التعليمية أكثر فائدة ومتعة وسهولة وخصوصا لفئة الطلاب الذين يعانون من «صعوبات التعلم»، لتتجلى «إنسانية» هذه التقنية التي يدور حولها اليوم الكثير من المخاوف والمخاطر التي قد تنتج عن استخداماتها السلبية.
ويفتح الذكاء الاصطناعي اليوم أبوابا جديدة للمعلمين من جهة، والطلاب ممن يعانون من صعوبات التعلم من جهة أخرى، عندما وفر لهم أدوات وتطبيقات جعلت التعلم أمرا جذابا وأكثر بساطة ومتعة، وساعد على تحويل التحديات التي تواجه هذه الفئة من الطلاب إلى فرص تعلم ربما تكون أكثر اتساعا من تلك المقدمة لهم في الغرف الصفية التقليدية.
وتعد صعوبات التعلم إحدى المشكلات التي تؤثر على مستوى التحصيل الأكاديمي لعدد ليس بقليل من الأطفال حول العالم، وقد عملت كثير من الجهات المتخصصة على تقديم تعريف لهذه المشكلة والوقوف على أسبابها: فالنظرية الطبية ترى أن صعوبات التعلم أساسها عصبي أو تعود إلى وجود خلل وظيفي في العين المسيطرة لدى الأشخاص من هذه الفئة، فيما يرى البعض أسباب صعوبات التعلم تعود إلى وجود خلل وظيفي في المجال الإدراكي لهؤلاء الأطفال، أو كما ترجح الآراء التربوية التي تؤمن بتعديل السلوك فهي تعود لأسباب سلوكية يمكن تطويعها بالتدريب من خلال إستراتيجيات معينة تساعد الطالب على تخطي الصعوبات الني تواجهه خلال العملية التعليمية.
وتشمل هذه الصعوبات: صعوبة في فهم المفاهيم الأكاديمية، وتعلم المهارات الأساسية مثل القراءة، الكتابة الحساب، وتدني التحصيل الدراسي رغم الجهود المبذولة من هؤلاء الأطفال أنفسهم، أسرهم والمتخصصين في تدريب هؤلاء الأطفال.
وأتاح الذكاء الاصطناعي أمام الطلاب من ذوي صعوبات التعلم والمتخصصين في تدريبهم، أدوات وتطبيقات جعلت تحليل البيانات التعليمية وتقديم تقييم دقيق لمستوى التعلم والاحتياجات الفردية لكل طفل أمرا أكثر سهولة ودقة، ما يساعد المعلمين في الغرف الصفية والمتخصصين في تقديم الدعم المناسب وتطوير إستراتيجيات تعليمية تتناسب مع احتياجات الطلاب من هذه الفئة مع مراعاة الفروق الفردية بينهم بأقل وقت وجهد ممكن حيث تحتاج عملية التقييم والتشخيص التقليدية لهذه الفئة فريقا متكاملا متعدد التخصصات.
بالإضافة إلى ذلك، تمكن الذكاء الاصطناعي من توفير برامج تعليمية مخصصة تستند إلى تقنيات التعلم العميق والتعلم الآلي والتي توفر تفاعلا وشرحا وافيا للمفاهيم الأكاديمية وتعزز التفاعل الفردي مع الطلاب وقد تكون هذه البرامج قادرة على تقديم المواد التعليمية بطريقة جديدة ومحفزة مما يعمل على زيادة دافعية الطالب نحو فهم هذه المواد بشكل أفضل ومستقل عن تعليمات المعلم أو حتى تعليمات الوالدين، ما يجعلهم قادرين على مجاراة أقرانهم في نفس المستويات التعليمية ويتيح الفرصة أمامهم لاستغلال مواطن القوة لديهم والعمل على تحسين مواطن الضعف في ذات الوقت.
وهذه التطبيقات متوفرة بشكل مستمر داخل وخارج الغرفة الصفية ومن السهل الحصول عليها وتوفيرها لطالب داخل المنزل وفي أي مكان.
غالبًا ما يواجه طلاب صعوبات التعلم الذين يواجهون تحديات في القراءة (عسر القراءة) مثلا، صعوبة في قراءة النصوص الأكثر تقدمًا.
وهم غير قادرين على اتباع تراكيب الجمل المعقدة، أو قد يواجهون صعوبات في تتبع الجمل وفهم المصطلحات غير الشائعة الموجودة في النص نفسه.
ولكن العلماء والباحثين يقومون اليوم بتطويع الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يجعل هذه النصوص الأصعب أكثر قابلية للفهم، بحيث يتمكن هؤلاء الطلاب من إنشاء جمل أبسط، استبدال المصطلحات غير الشائعة ببدائل بسيطة، الحصول على مرادفات متعددة لنفس المصطلح، وطلب المساعدة من أدوات الذكاء الاصطناعي على قراءة النصوص للتدرب عليها مرة بعد مرة بدون مساعدة المعلم أو أحد الوالدين.
هناك تطبيقات كثيرة للذكاء الاصطناعي عالجت صعوبات التعلم، وباختصار، يمكن القول بأن هذه التقنية التي تشغل العالم كله اليوم تلعب دورا مهما في تحسين عملية التعلم لدى الأطفال من هذه الفئة، ويمكنه توفير فرص التعلم المناسبة لتحقيق التقدم الأكاديمي والنمو الشخصي لهؤلاء الأطفال المميزين الذين ناضلوا خلال العملية التعليمية التقليدية لمواكبة أقرانهم في الصف العادي.